بقلم / حيدر عبد الحسين مجهول – العراق
لعل المتتبع الجيد للتاريخ وحركته الكونية منذ فجر الخليفة حتى الآن، يدرك تماماً أن كل ما تم تدرينه من فعل إنساني وسلوك وإنجازات بشريه إنما هو تم نقله بواسطة اما (النقوش الجدارية او من خلال النحوت والإشارات المثبته، وكذلك من خلال رسومات نباتية أو حيوانية أو هندسية او طبيعية استطاعت أن تحفظ هذا الإرث وتنقله من جيل الى آخر ومن عصرٍ لآخر بكل أمانة.
ولكون كل أشكال وأنواع هذه الوسائط هي (عناصر الفنون التشكيلة) أو ما اطلق عليها هكذا في عصور حديثة، فإن ذلك يعني أن دور الفنون التشكيلية اتخذ عدة أشكال حيث تناوب بين (دورها التاريخي ) التدويّني والجمالي والفكري و دورها في (التنويّر) المجتمعي..
ولأن العصور الحاضرة تحولت الى عصور دلالات ورموز واشارات ورموز أيقونية ( صور) تعطي حركة التاريخ والمجتمعات صفتها وشكلها وطريقة عيشها وتفكيرها وتأثيرها بالطبيعة أو العكس، وبسبب كل ذلك أصبح من الضروري جداً السعي لخلق علاقات وثيقة بين دور الفنون التشكيلية عامة وبين المجتمع كمؤثرات (جمالية وفكرية) وبين حركة السلوك العام للمجتمعات البشرية، لا سيما في المجتمعات القلقة فكرياً وجمالياً وسلوكياً، حيث أن هذه المجتمعات تحتاج الى أن يكون هناك متسع أكبر للتأمل والتفكير والأرميز العميق في الأشياء واستنباط الأحكام الإنسانية منها لرفد حركة مجتمع بكل ما هو ينميّ ورفيع يمنع تداعي هذه المجتمعات، وكذلك تحدد سلوكها بطريقة سليمة وصحية وتنتج الكثير من الإنجازات التي تدخل في مجال صناعة الحياة للمجتمعات وتنظم علاقات عيشها.
فالفنون التشكيلية، الرسم والنحت والخزف وغيرها كانت ومازالت وستبقى هي المدوّن الوحيد للحضارة الإنسانية، وهي القادرة بكل قوة على ترك الأثر في سلوك المجتمعات وتغير انماط التفكير فيها وكذلك السلوك، وهذا لا ينحصر ضمن الإطار الروحي لدور الفنون وتأثيرها في النفس فقط وإنما يتعداه الى العلاقات العامة بين البشر وكذلك العلاقات بين البشر والطبيعة وبين كل هذه العناصر وبين التاريخ وحركته.
ومن هنا يتأتى دور الفنان ذاته ودور وعمله وأفكاره، وكذلك دور المؤسسات العامة في جعل هذه الحقائق واقعاً متداولاً، وإيجاد الآليات والسبل المناسبة لجعل هذا الواقع هو السائد، لا سيما كما ذكرنا في المجتمعات التي تعاني اهتزازات وردات مجتمعية عنيفة كالمجتمع العراقي وغيره، فهذه المجتمعات هي أكثر المجتمعات التي تكون بحاجة للغة الفنون التشكيلية ولتأثير هذه اللغة في المساهمة بإيقاف التداعي المريب في منظوماتها السلوكية والجمالية العامة.