بقلم د.سلطان منال
“أعز من الولد وِلد الولد” حقيقة أشار إليها المثل الشعبي منذ مئات السنين، ليؤكد خصوصية العلاقة التي تجمع الجِد والجِدة بأحفادهم، وإلى أي درجة تبقى الأوقات التي يقضونها معًا هي الأجمل والأحب لقلوبهم والأكثر أهمية وفائدة بالنسبة للصغار.
ويلعب الأجداد دورًا مهمًا في بناء شخصية الأطفال، وإيقاظ الاهتمامات والعواطف الكامنة بداخلهم أكثر من أي قريب آخر لهم، لأنهم بحسب رأي العديد من المحللين النفسيين يوفرون لهم الأمان العاطفي بما يحمله من حب وثقة ودعم غير مشروطين، بالإضافة إلى أنهم عادة ما يعمدون إلى نقل خبراتهم إليهم لمساعدتهم في مواجهة الحياة بشكل أفضل.
و غالباً ما تتعارض رؤية الآباء والأمهات بشأن تربية أطفالهم، مع مواقف الأجداد والجدّات، الذين يُفرطون في إحاطة أحفادهم الصغار بمزيد من الرعاية والاهتمام. إن خبراء التربية وعلم النفس يختصرون أسباب هذا التعارض وعدم الاتفاق بما يُسمى “صراع الأجيال”، والاختلافات الجوهرية في أنماط التربية والتنشئة الاجتماعية السليمة في نظر كل جيل. فكيف يؤثر وجود الأجداد في تربية الأطفال وتنشئتهم؟ ومتى يكون تدخلهم سلبياً؟
إيجابيات تدخل الأجداد في تربية الأحفاد :
- من أهم الفوائد أن يعرف الطفل الامتداد الطبيعي للعائلة المتمثل في وجود الأجداد ثم الآباء ثم الأحفاد، وينمو بذلك الجانب العاطفي للأسرة الكبيرة التي تشعر الطفل بالمكانة وتعطيه الثقة بالنفس غالبًا ما يخشى الآباء الجدد من اتخاذ قرارات تتعلقبرعاية البكر. ثم تأتي الجدات من ذوي الخبرة إلى الإنقاذ ، الذين يثقون في قدراتهم ويعرفون ماذا يفعلون مع الأطفال الصغار.
- أن يتعلم الطفل احترام الكبير والاهتمام به ورعايته وحسن التعامل مع مشاعره ويرى كيفية تعامل والديه معه.
- سيكون لدى جيل الكبار الوقت للمساعدة في الدروس، واللعب مع الأطفال، وتوسيع آفاقهم، وقراءة الكتب ، ورواية قصص الحياة الحقيقية.
كثير من الأجداد أكثر صبرًا من الوالدين وأكثر حنانًا للطفل كونهما يعيشان مع الطفل فترة قصيرة وبذلك يكون وجودهما عامل توازن في الأسرة، ومن منا لا يتذكر حنان الجد والجدة ويحلم بالنوم عندهما وهو صغير وكيف يشعر بالأمن في وجودهما مهما ارتكبا من أخطاء أمام الوالدين.
والجدير بذكر قد يصبح الأجداد المتشاركين في المنزل بمثابة المربين المباشربن للطفل وقد يشابه فعلهما فعل الوالدين ويكون أكثر تناغمًا وانسجامًا مع الطفل في ذات الوقت، ولذلك من المفيد إشراكهما في عملية التربية وتزويدهم بالقصص والحكايات وطرق التعامل المناسب مع الابن، وكذلك توجيه النصح بشكل لطيف إذا كانا يزيدان في الحنان والعاطفة أو يقسوان على الطفل ويشددان في التعامل معه، قد يصبح الجد أو الجدة أقل صبرًا خصوصًا عند الذين يعانون من أمراض مزمنة لذلك من الأفضل إبعاد الطفل عن إزعاجهم واحترام أوقات النوم والهدوء لديهم.
سلبيات تدخل الأجداد في تربية الأحفاد :
- يسبب التناقض الكبير في وجهات النظر وأساليب التربية بين الأجداد والوالدين حدوث خلل وإرباك في قدرة الوالدين على تنفيذ خطتهما التربوية في تعاملهما مع أبنائهما، مما يسبب تضارباً وتناقضاً للطفل وعدم وضوح ومعرفة فيما يجب أن يفعله وما يجب تجنبه، فيلجأ الطفل إلى تحدي الأهل ومعاندتهم، بالإضافة إلى اندلاع حالة من النقاش الحاد والانزعاج والتوتر بين الآباء والأجداد، مما قد يؤثر سلباً على تربية الطفل وحياته في المستقبل.
- تستر الأجداد على خطأ الطفل وحمايته من عقاب الأهل يصعِّب على الأهل تنشئة أطفالهم بطريقة صحيحة، وينمي شخصية غير ناضجة للطفل، فيلجأ الطفل إلى التصرف في الخفاء والقيام بأمور ينهى عنها الوالدان بدون خوف أو ذنب، والتصرف دون مراجعتهما أو الاستماع إلى رأيهما والأخذ فيه، فيتمرد الطفل على والديه، و تهتز بذلك صورة الأبوين أمام الطفل.
- الدلال الزائد والمفرط وتلبية جميع طلبات الأطفال من الأجداد يعلم الأطفال المراوغة في التعامل، والبحث دائماً عن طرق سهلة وملتوية للحصول على ما يريدونه.
- يحاول الأجداد أحيانًا حماية حفيدهم من كل شيء فيسمع باستمرار: ” “لا تركض – ستسقط” ، “لا ترفع العصا – سوف تتسخ”. يقول علماء النفس أن هذا النوع من التعليم يمكن أن يتطور إلى مخاوف في المستقبل.
نصائح و إرشادات :
- ينبغي أن يشعر الأجداد بأهمية وجودهم في حياة الأبناء، حتى يسعد كل منهما بالتواجد في حياة الآخر ، ويجب أن يتقبل الآباء التنازل عن بعض القواعد الأسرية الشديدة الصرامة عند زيادة الأجداد والجدات إلى منزلهم .
- يجب التواصل مع الأجداد والتعامل بحكمة في المواقف الحساسة، فربما يرغب الأجداد في ذهاب أحفادهم إليهم ولكن يكون لديهم ما يقومون به من واجبات مدرسية وخلافه ، وهنا يجب توضيح أنك غير معترض أبدا على هذه الزيارة ولكنك تود تأجليهم حتى يتم إنجاز مهامهم المدرسية.
- من حق الأبناء على آباءهم أن تتم مناقشة الأسلوب التربوي الأنفع مع الأحفاد وأن يتم توجيههم نحو العادات والتقاليد المجتمعية التي يسيرون عليها، والتي تضمن تنشئة الطفل بشكل سوي مناسب، ومن حق الأحفاد أن نحميهم من تسلط الأجداد وعنفهم الشديد ونوقف تدخلهم في التربية والتهذيب إن أدى ذلك إلى انتهاك أو تعدٍ وإيذاء نفسي ومعنوي للطفل.
- يجب التعامل مع الأجداد على أنهم جزء أساسي في الأسرة ، وذلك عن طريق وضع القواعد والحدود معهم وتحديد أنواع الألعاب والمشتريات وفقا لميول الأبناء ، حتى تتفادوا الجدل وتضارب الأفكار عند الذهاب لاختيارها معا .
- يقوم بعض الآباء و الأمهات بحرمان أطفالهم من قضاء الوقت مع أجدادهم لتجنب مشكلة التدخل ، و لكننا ننصحهم بعدم فعل ذلك ، فالطفل يحتاج الى التواصل مع الجد و الجدة و التعرف على الجيل الأكبر و هذا بالتأكيد حقه ، لهذا فلا داعي للسلبية و مواجهة المشكلة هكذا بل يجب المواجهة الايجابية التي تثمر الكثير فيما بعد .
وفي النهاية أقدم رسالة من الأبناء للأجداد: لقد أديتم ما عليكم ونجحتم في تربيتنا وهذا يعتبر وسام نفخر به ونرجو منكم تكرار تقديم العطاء والإسهام في إكمال المسيرة والتعامل مع الأحفاد بقدر من المسئولية وبعض الحزم وعدم تدليلهم بصورة مبالغ فيها بالهدايا وتلبية كل طلباتهم و نذكركم بتربيتكم لنا ونرجو تكرار هذه التجربة الناجحة في التعامل مع الأحفاد حتى نستطيع ـ بإذن الله تعالى ـ إنتاج جيل من الأحفاد صالحين داخل الأسرة ونافع لنفسه ولمجتمعه.