لنتفق مبدئيا بأن هذا الفيلم لقيّ رواجا لا مثيل له .وضجة إعلامية بسبب رواجه من لدن بعض الجهات المعروفة؟ا هذا أول مُعطى دفعني لمشاهدته كباقي المتابعين.وأكتشف ما أكتشفه من عجائب وغرائب.لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تكون قِطعا صالحة لربطها بالسكة السليمة؟ا وبتعبير آخر فإنها لاتخدش فقط في المواريث العربية الإسلامية.بل أدخلتنا في فنتازيا وهمية…لا تقبل بها أية ديانة سماوية كانت ؟ا فالإخراج كان رائعا والتمثيل كذلك..والممثلين لهم علامة عشرة على عشرة( ولسنا ندري هل ذلك جاء نتيجة توجيه المخرج .أم هو خبرة من الممثلين واحترافيتهم) المهم هو والحمد لله أنها أي السينما الجزائرية تملك أسماء بإمكانها المنافسة في أكبر المهرجانات…وقد كان حريا بنا أن نضع هذا الإنتاج الذي هو بين أيدينا بين كفتي ميزان عادل …كفة تُسمى في ثقافة السينما بالأخطاء والمحاسن المعنوية والفكرية الأدبية .والكفة الأخرى تُنعت بالأخطاء التقنية الآلية…..فلحسن الحظ أن هذا الإنتاج خلا من الأخطاء التقنية..فكل شيء تم بتقنيات عالية( وبرافو للمخرجة ياسمين شويخ) ـ لكن في المقابل الحوصلة التي خرجنا بها لم تكون مُقنعة
أبدا…أي اللمسة الأخيرة ,وهي أهم العيوب التي طالما ظلت تتكرر في السينما الجزائرية أي النهايات التي تربط المغزى والرسالة المراد بلوغها وإيصالها . بعد أن نتعرف على الإطار العام للعمل ومحوره الرابط. بتماسك الأحداث وتراخيها.
و هنا نحن لا نتحدث على البدايات الجميلة أو مشهد أو إثنين داخل العمر الزمني للفيلم . بل ماا الذي أراد أن يقوله النص جملة وتفصيلا وما هي الرسالة الإنسانية والحضارية المرجوة….هذا الفيلم في البدء تتخيل فيه نفسك .أنك بين مخالب فيلم من أفلام الرعب.وليس داخل زاوية تُسمى مقبرة سيدي بو القبور بوهران. وكنت أنتظر بإحساس مسبق مني أنها ستحدث شبه قصة حب داخل المقبرة ـ وهو ما حدث فعلا ـ بل قصتان واحدة بين جوهر البطلة التي هي(جميلة عراس) وبين حفار القبور علي( محمد تكيرات) .وأخر بين صباغ القبور بالطلاء وإحدى الفتيات.بحيث رفضت جوهر الزواج بعلي يوم صارحها .بينما تزوجت هذه الفتاة الحسناء بالعامل الذي كان يطلي شواهد القبور….وإذ كنا نعلم بأن جوهر جاءت لتفقد قبر أختها المتوفية ثم تسكن في بيتها ثم تشك بأنه كان بيتا مفتوحا لمن هب ودب؟ا قبل أن تقتنع بأن ذلك طان فعلا يحدث لأن الأخت المرحومة كانت تفعل ذلك بكرم وسخاء منها أي لتقديم وجبات مجانا للزائرين.
تمت مراسيم العرس داخل الزاوية..وباركها الإمام الذي رفض التوجه للحج.بسبب غير منطقي وهي عدم وجود حافلة توصله نحو وسط المدينة.؟ا وهنا يٌطرح ألف سؤال هل الفكرة مقصودة أم لا ؟ا لأنه في ثقافتنا الشعبية تُعتبر عملية الحج من أكبر المحاسن والواجبات التي ينتظرها الإنسان المسلم .فكيف له أن يضيعها لمجرد سبب تافه(وهذا ما قدمته لنا المخرجة التي من المفروض أن تراقب السيناريو لحظة بلحظة وفكرة بفكرة) الرمزية كانت موجودة بقوى ضمن أطوار الفيلم خاصة ذاكم الشاب المتجول بدراجته وراح يؤسس شركة للمتاجرة في الموتى حيث يضمن لهم مراسيم ناجحة مقابل أن يقبض منهم مبالغ.جعلته يتشدق بمقولة (أفكر تعيش) وهذا قمة الذكاء حسبه.الأمور الأخرى التي حدثت داخل المقبرة والزاوية هذه لايمكن أبدا تصديقها ويستحيل أبدا أن تكون في أية منطقة عربية إسلامية.بل هي إجتهاد من المخرجة التي التي أرادت كسر المحظور.والتركيز على الجوانب الجمالية المٌطعمة بفكرة التحرر المطلق .دون وضع حساب أن المقابر عند المسلمين تظل مقدسة.ولها حرماتها الخاصة.فكيف يحدث بها كل الذي حدث.وأي عاقل طبعا لايقبلها..ونحن هنا لسنا من المتشددين…ولنقل أننا مع المخرجة في أفكار تحررية.ولكن ليس بهذا الشكل والكيفية…لأن في كثير من أطوار الفيلم هناك أمور لا يتقبلها المجتمع الجزائري الذي تربى أبا عن جد.بين دفتي تقاليد وعادات متوارثة ـ فكيف تمت عملية الإختراق هذه ـ وتكسير الطابوهات؟ا ـ لدينا الكثير ما نقوله حول هذا الفيلم الذي لا
يمكن أبدا بحال من الأحوال أن تقع أحداثه داخل أي مجتمع ( وأنا تحدى هنا) اللهم في كوكب آخر خارج الغلاف الجوي …. لقد حاولت المخرجة أن تدك وتحشر بكثير من الرموز السياسية. لكن للأسف الطريقة كانت بأسلوب مسرحي لا يليق أبد بالأعمال السينمائية الكبرى لأن السينما الحقيقية والفعالة تترك الأثر النفسي من خلال الشفرات والصور وليس من خلال الخطاب فقط؟ا خاصة إذا كان الخطاب ساذجا؟ا
وهذا يحيلنا إلى خاتمة نقول فيها أن العقل السينمائي(حتى لا نقول عقل المخرج نفسه) سيظل غائبا مهما توفرت أحدث الكاميرات وأحدث الديكورات .والوسائل والامكانيات الضخمة…يظل السيناريو هو اللب .او قل المحرك ويظل المخرج هو المقود والربان الذي يوجه العابرة حيثما .تشاء الأذواق العامة. يوم تتوفر عوامل الإنسانية والجماليات الفكرية المٌتقنة بعيدا عن أي لُبس وبعيدا عن أية ايديولوجية…هذه الاديولوجية العمياء التي تحاول إرضاء شلة من الأباطرة يتحكمون في العالم ويريدونه على مقاسهم …وأخيرا نسدي التحية لجميلة عراس على دورها الإحترافي بعيدا عن النص.
بقلم الشاعر والصحفي: جمال نصر الله
djamilnacer@gmail.com