بقلم/ د.سلطان منال
أصبحت تربية طفل تربية سليمة وتنشئته على الأخلاق والمبادئ الجيدة هي مهنة شاقة للآباء والمربين على حد سواء، حيث أنه من اللافت للنظر أن الطفل الآن يتسم بقدر من الذكاء والنضج أكثر مما كان عليه سابقًا، نظرا لانتشار استخدام التكنولوجيا والعديد من الأسباب الأخرى.وفي السياق ذاته، انتشر مصطلح “التربية الإيجابية” مؤخرا بين الأمهات، بحثًا عن حياة نفسية أفضل لأبنائهن.
شاع مؤخّراً مصطلح “التربية الإيجابيّة” في المناهج التربويّة، ويقصد بهذا المفهوم الجديد مجمل الأساليب التي تنمّي مهارات الطفل اللغويّة، الحركيّة والعاطفيّة وسلوكه بطريقة بنّاءة. الفرق بينها وبين التربية التقليديّة، هو أن الأخيرة تبنى على أساليب القمع والإجبار التي يرى فيها الأطبّاء والخبراء أنّها تلغي شخصيّة الطفل، في حين التربية الإيجابيّة تزرع في الطفل قيمة الانضباط الذاتيّ الذي يمكّنه من التصرّف بشكل سويّ دون الحاجة إلى مراقبته، إذّ إنّ سلوكه صادر من قناعة شخصيّة.فالتربية الإيجابيّة هي أيضاً معرفة الآباء بمراحل نموّ أبنائهم وطرق التعامل مع كلّ مرحلة، وتفسير، توجيه وتقويم سلوكهم بطرق سليمة دون تعريضهم للضرر النفسيّ الذي قد يصدر عن بعض الآباء دون دراية منهم.التربية الإيجابية هي التربية التي تُستخدم فيها تقنيات مبنية على الحب، والاحترام، والتشجيع، والرعاية، وتأمين بيئة إيجابية، وهي أسلوب التربية التي تساعد الطفل على أن ينمو ويكبر بأمانٍ وأدب، وأن ينمي ثقةً إيجابيةً بنفسه، بدلاً من أن يكبر في بيئةٍ سلبيةٍ مليئة بالانتقاد، والصراخ، ويفقد حسه بالأمان والأدب، ويفقد ثقته بنفسه، وينمي تصرفات غير سليمة، ولا تقتصر التربية الإيجابية على الوالدين فحسب.
متطلبات التربية الإيجابية للأطفال:
- فهم عالم الطفل: إن طفل الثانية من العمر ليس عنيدا ولكنه يبحث عن الاستقلال، وطفل التسعة أشهر ليس فوضويا ولكنه يرضي شغفه لاستكشاف ما حوله، وطفل الرابعة ليس كاذبا ولكنها مرحلة الخيال ! إن الثقافة التربوية هي التي ترشدك لتلك المعلومات ،إن معرفة مراحل تطور الطفل النفسية والبدنية تجنبك الكثير من الصدامات مع الطفل الذي يمر بمراحل نمو حساسة لها متطلبات محددة قد يسيء فهمها الوالدان نظرا لنقص معلوماتهما حولها.فعلى سبيل المثال الطفل في العام الأول من حياته يبحث عن الثقة والأمان ، فكلما ألصقته الأم بها في الشهور الأولى من عمره ، كلما كان أقدر على الاستقلال عنها بعد ذلك لأن الاستقلال سينبع من ركيزة قوية يشعر بها وهي الأمان، وهذا بالطبع على عكس ما قد يعتقده البعض خطأ في عدم حمل الطفل الدارج والاستجابة السريعة له عند البكاء حتى لا يعتاد ذلك.
- الاحترام المتبادل : وتتلخص مبادئ الاحترام المتبادل بين الآباء وأبنائهم على الموازنة بين نموذج الحزم واللطف، فالحزم يكون باحترام الكبار واحترام متطلبات الموقف واللطف يكون باحترام الطفل واحتياجاته.أيضًا من أهم مسببات الاحترام ثقافة الاعتذار من الأبوين عند الخطأ، فهي تؤكد للطفل أنه طرف فاعل في المعادلة لا مجرد مفعول به، وتشعر الطفل بأنك إنسان مثله يخطئ ويصيب مما يجعله يحاول إصلاح أخطائه بطريقة فاعلة بدلا من الحلول الإرضائية، فقط عامل طفلك بلطف وكن مقرا لمشاعره ولكن بحزم فيما يتوافق مع مصلحته ومصلحة الأسرة والقوانين الخاصة بها، إن أهم ما يوضح هذا المبدأ كما تقول جان نيلسن هو مقولة : «أنا أحبك، ولكن لا» وهذا ردا على رغبة الطفل في فعل تصرف لا يناسب المصلحة العامة.
- الوسطيّة في التعامل مع الطفل: تتطلب التربية الإيجابية أن يكون الأهل متوسطي التعامل مع الطفل بما يخص الصرامة، أي ألا يرخوا زمام الأمور كثيراً ويتركوا الطفل من دون قوانين أو طرق تأديب، وألا يشدوا الأمور عليه كثيراً، وذلك لأنّ الطفل يحتاج إلى الإيجابية حتى يشعر أنّه محبوب، ويحتاج أيضاً إلى القوانين حتى يشعر بالأمان ولا يضطر إلى القلق أو اتخاذ قرارات خاطئة.
- العواقب لا العقاب: أسلوب «العاقبة» من أنجح طرق التهذيب وهو أن نجعل لكل تصرف خاطئ عاقبة تتناسب معه هي بمثابة نتيجة مباشرة ومنطقية له، كأن تكون عاقبة إساءة استخدام الألعاب هو أخذها بعيدا مع الإشارة لأسباب هذا التصرف منك – وأن تخبره أنها متاحة حين يود استخدامها استخداما جيدا -بدلا من العقاب البدني أو اللفظي أو حتى النفسي – كالتجاهل أو وضع الطفل في ركن العقاب – فكل هذه الطرق تفاقم الأمور وتنتج شخصية مشوهة أما ساخطة أو متمردة أو منسحبة أو ترغب في الانتقام، وكلها نتائج سلبية لا يود الأبوين الوصول إليها بالطبع.
- التركيز على الحلول بدلا من اللوم : الطفل عندما يخطئ يسيطر عليه الشعور بالذنب والعجز ، ولومك له يزيد داخله هذا الشعور ولا يجعله يحسن التصرف في المرة القادمة، إن الطفل ينتظر منك أن تشركه في اقتراح حلول للمشكلة الناتجة عن خطأه ، مما يعزز عنده مهارات حل المشكلات ويرسخ عنده الثقة في قدرته على تجاوز الأزمات على المدى البعيد ، إن الصراخ وكثرة اللوم لن تغير السلوك بل ستؤدي إلى طفل محبط ينتقص من نفسه ولا يحب سماعك في المرات القادمة لأنك تزيد مشاعره السلبية تجاه نفسه، وأسوأ ما يمكن أن يفعله الآباء هو قولبة أطفالهم بصفات قد تصبح لصيقة بهم مع تكرارهم لها مع كل خطأ، كأن يخبر الوالدان الطفل أنه «مهمل» أو «فاشل» أو «لا يحسن التصرف أبدا» فهذه القولبة عواقبها وخيمة.
نصائح و إرشادات في تربية الأبناء :
– البحث عن جذور المشكلة:هناك أمور تتعلق بالسلوك السلبي أكثر وأهم من السلوك نفسه، فدائما هناك عوامل أدت لهذا السلوك، فبدلا من الاهتمام بالسلوك فقط بشكل سطحي، فيجب التركيز على الأسباب الكامنة وراء التصرفات، ثم العمل على حلها ومعالجتها.
– لا تترك مسؤولية التربية على عاتق زوجتك وحدها .
– حاول أن تقضي وقتاً كافياً مع أبنائك ، تعيش معهم أحاسيسهم ومشاكلهم .
– تذكر حين توبخ ابنك أن تشعره بأنك تحبه ، ولكنك لا تحب سلوكه فقط . وكلما أحب أطفالك أنفسهم حاولوا تطوير سلوكهم نحو الأفضل .
– على الآباء أن يتعلموا الإصغاء إلى أبنائهم كي يتعلم الأبناء كيف يصغون إلى آبائهم .
– حاول تنمية الإحساس بالنجاح في نفوس أبنائك منذ الصغر ، وأجعلهم يلتفتون إلى تصرفاتهم الحسنة، وامدحهم عندما يتصرفون بشكل جيد.
– شجع أولادك على أن يكونوا صادقين معك .